ما يقع اليوم في ليبيا يهم شمال إفريقيا برمته. طوال السنوات الماضية كان هدف التنظيمات الإرهابية هو أن تحول العالم إلى بؤرة للتوتر وهو ما وقع اليوم. استطاعت هذه التنظيمات أن تجد لها موطئ قدم في العديد من الدول خاصة تلك التي عرفت توترات اجتماعية في 2011. قبل هذا التاريخ كانت كل محاولات توريط العالم في حرب دينية تفشل بسبب نزوع عدد من البلدان وعلى رأسها المغرب إلى الوسطية والتأكيد على أن الاسلام هو دين للتسامح والرحمة وليس للحقد والكراهية. في مرحلة ثانية وبعد أن أدى تنظيم «القاعدة» الإرهابي دوره المنوط به في إطار إعداد التربة الخصبة للاستقطاب شرعت مرحلة جديدة في التأسس هدفها التوسع والسيطرة على مواقع جديدة، وهي الاستراتيجية التي يسير على نهجها تنظيم ما يسمى ب«الدولة الاسلامية في العراق والشام»، الذي استطاع بفضل التربة الخصبة للتطرف والحقد أن يستقطب الآلاف من الشبان ليس فقط في الدول الاسلامية والعربية ولكن أيضا في دول تدين بديانات أخرى في أوربا وآسيا وأمريكا. في بعض الدول التي عرفت توترات اجتماعية تمت صفقات مختلفة بين العديد من الأطراف داخلية وخارجية وكان دور محترفي الإسلام السياسي حاضرا في كل هذه الصفقات، هم الذين كانوا يتطلعون إلى السلطة بأي ثمن، غير أن التنظيمات المتطرفة التي دخلت في هذه اللعبة سرعان ما انقلبت على حلفائها بعد أن شعرت بأنها الأقوى في الميدان. في الشرق وجدت هذه التنظيمات الأجواء المناسبة للتفرع والامتداد وركبت على المطالب الاجتماعية والسياسية للمعارضة لتفرض نفسها بالقوة كطرف معارض للنظام السياسي القائم وشيئا فشيئا استقطبت من مختلف الدول العربية (في البداية) مقاتلين باسم الدين وتحول الصراع على السلطة إلى صراع لتأسيس «دولة الخلافة»، وسمح العتاد والقوة المتوفرة للتنظيم في العراق بالسيطرة على العديد من المناطق خاصة تلك الغنية بالنفط سواء في سوريا أو العراق. تغيرت التكيتك في عدة بؤر لكن الهدف كان واحدا مع بعض التعديل على مستوى التوسع الشامل من خلال بناء مجتمع منغلق عبر استقطاب النساء والفتيات اللواتي خضعن لغسيل الدماغ أو اللواتي تعرض للسبي والقيام ب«تفويتهن» لمقاتلي التنظيم، هذه العملية ستمكن الجماعات المتطرفة من التحكم في مسار عدة أجيال وبالتالي تفريخ مقاتلين في قالب واحد وتنشئتهم على نفس التوجه الدموي. نسخة داعش تتحقق اليوم بشكل أو بآخر في الجنوب الافريقي على يد جماعة «بوكوحرام» هذه الأخيرة التي استطاعت تجنيد حوالي ستة آلاف مقاتل لم تبق حبيسة الحدود في النيجر التي تجاوزت غزواتها إلى نيجريا والكاميرون. وعلى خطى داعش سارت بوكوحرام في الذبح والحرق والسبي وكل الأعمال الوحشية التي تثير الفزع والتخويف وهي خطة هذه التنظيمات لكسب المعركة مسبقا ضد الجيوش النظامية حتى قبل أن تبدأ المواجهة. وكما توسعت داعش في سورياوالعراق وامتدت إلى أطراف من لبنان ومناطق أخرى مجاورة، قامت جماعة بوكو حرام بالامتداد نحو الدول المجاورة للنيجر وعاثت فيها فسادا. المرحلة التالية كانت هي الامتداد نحو شمال إفريقيا وهي بوابة العالم الغربي «الكافر» حسب التنظيم الارهابي. وكما هي الخطة دائما فإن البلاد التي تعيش حالة من الفوضى والتوتر ويغيب فيها النظام ومؤسسات الدولة هي ليبيا الغنية بالنفط أيضا، والتي اندلعت فيها المواجهات بين الميلشيات المسلحة التي ساهمت إلى جانب دول التحالف في إسقاط نظام القذافي. هكذا بعد ملحمة سقوط الاستبداد هاته بدأت كل جماعة تبحث عن منافع مادية وعن سلطة، وأمام توفر السلاح الذي تركته دول التحالف، قامت الميليشيات التي تغلغلت فيها عناصر داعش بالهجوم على المناطق التي تحتضن آبار النفط لاحتلالها وتوفير السيولة اللازمة لتمويل المقاتلين وإغراء المزيد منهم بنفس الطريقة التي نهجها تنظيم أبي بكر البغدادي. التردد كان على الدوام هو السمة الأساسية لكل تدخل في المنطقة، حتى الدول المجاورة كانت تخشى أن يتفاقم الوضع داخلها بمجرد القيام بأي رد فعل داخل التراب الليبي، الذي يتقاسم حدوده مع ستة بلدان كلها تعرف امتدادات للجماعات المتطرفة بمستويات مختلفة وهي الجزائر الذي تنشط في جنوبه جماعات تابعة لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي» والنيجر وتشاد اللذان يعتبران ساحة وغى بالنسبة لجماعة بوكوحرام ثم تونس ومصر التي نفذت فيهما جماعات السلفية الجهادية العديد من الاعتداءات الدموية بالاضافة إلى السودان وهي أول دولة احتضنت زعيم القاعدة أسامة بن لادن. الحدود الجغرافية المشتركة لهذه الدول مع ليبيا تجعلها مشرعة على المجهول. في ليبيا الآن بدأت التنظيمات الارهابية تعلن سقوط بعض المناطق والمدن بين يديها لاسيما تنظيم داعش الذي تمكن من الاستيطان في مدينتي سرت ودرنة، وإذا استمرت الأوضاع على هذا الحال وانتشرت المزيد من الفوضى ستصبح البلاد كلها إمارة تابعة لدولة البغدادي، التي رفعت شعار التمدد والتوسع. ومع انتشار جماعات وتنظيمات متطرفة في دول الجوار يصبح الطريق سالكا أمام المقاتلين للمزيد من القتل والحرق والسبي وهو الأسلوب الوحيد الذي استطاعوا به بناء إمارات الخوف. يتبع