بينما وجد الآلاف من الأطفال الأسوياء وذوي بعض الاحتياجات الخاصة مقاعدهم داخل فصول تعليمية بمدينة فاس، دون أي عناء، مع انطلاق الموسم الدراسي الجاري، لم يتمكن في المقابل أزيد من 650 طفلا معاقا بالصمم والبكم من أن يحظوا بهذا الحق بالعاصمة العلمية لوحدها. أطفال وصلوا سن التمدرس وآخرون تجاوزوه بسنوات قليلة، وجدوا أنفسهم فجأة على هامش الحياة الدراسية، بعد أن أرغمتهم الأقدار على الحرمان من حق النطق والسمع. أبرياء حُرموا من الدراسة لا لشيء سوى أن إعاقتهم مرتبطة بالصمم والبكم، ما جعل أولياء أمورهم يحسون من إجحاف مرير من حق فلذات أكبادهم في مقاعد دراسية على غرار أقرناهم. «هذا راه ظلم... واش زينون ما عندوش حتى شي حق فهاذ البلاد» يتساءل أحمد المناعي، أب لطفل أبكم، في حرقة واضحة، قبل أن يضيف «إلى متى سيبقى ابني جاهلا أميا محروما من نور العلم؟»، سؤال يشاطرهم كل آباء وأمهات الأطفال المصابون بإعاقة الصم والبكم. يحسون أن جميع الإعاقات يحظى أصحابها على الأقل ببعض الاهتمام والرعاية، خاصة في مجال التعليم، إلا ذوي إعاقة الصم والبكم الذين لازالوا ينتظرون هذه التفاتة لكي تضمن لهم على الأقل الإحساس بالمساواة مع باقي ذوي الاحتياجات الخاصة. في غياب تعليم نظامي، اضطر آباء هؤلاء الأطفال للبحث عن بديل، فكانت بعض الجمعيات المهتمة بإعاقة الطفولة وجهتهم، التأم الأطفال بها من أجل اكتساب مبادئ المعرفة عن طريق الإشارات، على يد متطوعين سخروا جهدهم ووقتهم للوقوف بجانب هؤلاء الأطفال، بينما الدولة أدارت ظهرها إليهم. «جمعية الأمل» تسهر على تعليم وتأهيل حوالي 40 طفلا وطفلة من أطفال الصم البكم بولاية فاس بولمان فقط من مجموع أكثر من 650 طفلا بفاس، تتراوح أعمارهم ما بين 5 و15 سنة، زيادة على 20 طفلا آخرا أصم في لائحة الانتظار. من حظوا بالتفاتة هذه الجمعية جلسوا داخل فصل فسيح مجهز بعدد من المعدات المعلوماتية، يتفحصون جيدا إشارات معلمتهم ليتلقطوا جهد الإمكان فحوى المعاني. بدا هؤلاء الأطفال أذكياء وهم يتجاوبون مع معلمتهم ويفهمون إشاراتها. نظراتهم البريئة توحي بالحرمان والشقاء وطموحاتهم الصغيرة تخفي هواجس كبيرة من المستقبل الغامض. الجمعية تقوم باحتضان الأطفال الصم صمما عميقا، وتسهر على تلقينهم الدروس المتبعة في التعليم النظامي عن طريق تلقينهم التنطيق ولغة الإشارة إلى أن يصبحوا قادرين على مواكبة التعليم النظامي بالعربية والفرنسية، كما تقوم الجمعية بتعليم الأطفال فن الخط. وتتوفر على مستويات من القسم الأولي الابتدائي إلى القسم السادس حاليا.