قد تكون الصدفة وقد تكون التحريات فعلا، هي التي قادت السلطات الإسبانية، لتفكيك شبكة متخصصة في تهريب المخدرات القوية، وخاصة منها الهيروين «الخام»، واعتقال مشتبه فيهم ينتمون للشبكة. الجديد في هذا الأمر أن مسار التهريب جديد، والقائمون بالعملية أيضا جدد وغير معروفين، فالعملية التي قامت بها مصالح الدائرة القضائية بألميرية، الجنوب الإسباني، مكنت من الكشف عن تهريب للهيروين من كابولأفغانستان، في اتجاه إسبانيا وبالضبط لجنوبها، حيث يسهل توزيع البضاعة، وتم لحد الساعة اعتقال مشتبه فيهم، ينتمون لموريتانيا وسيراليون. والذين كشفوا في التحقيق معهم عن أسماء وأسرار خطيرة، تنسيق أمني رفيع المستوى، شاركت فيه عناصر مكافحة الجريمة بالشرطة الفيدرالية الأمريكية، وعناصر من شرطة البحرين، الذين تتبعوا الشحنة منذ خروجها من جمارك أفغانستان، مرورا بمختلف النقط الحدودية، إلى أن وصلت للنقطة المرادة بالجنوب الإسباني، والتي هي نقطة التصنيع والتوزيع في اتجاهات أخرى، ولعل ذلك ما دفع مصالح أمن دول أخرى تشارك في العملية، حيث يبدو أنها عملية اكتشفتها شرطة البحرين، بتنسيق مع الشرطة الفيدرالية الأمريكية، المتواجد بعض عناصرها أصلا في أفغانستان، في إطار عمل حلف الناتو هناك. ليتم إشراك الشرطة الإسبانية في آخر مرحلة، بصفتها البلد المستقبل للكمية المعنية من الهيروين التي تهرب، منذ أشهر، وتصدر من هناك لدول أخرى. التصدير لدول أخرى، هي أصل العملية التي كانت تتم بالديار الإسبانية، حيث كانت تجمع بمكان بألميرية، حيث الغالبية العظمى من المهاجرين، ومن تم توجه للمغرب بطرق مختلفة، حيث يتم توزيع جزء منها هناك، قبل أن تهرب كميات أخرى من ذات المادة، في اتجاه الجزائر وجنوب الصحراء، خاصة في اتجاه موريتانيا مالي وسيراليون، وغيرها من الدول الإفريقية بالمثلث المالي. وهو ما لا يستبعد معه، أن تكون لهاته التجارة أيادي، مع عناصر من القاعدة بالصحراء والساحل الإفريقي، حيث أن نسبة مهمة من تلك الكميات الخامة من الهيروين، وإن كانت تهرب عبر المغرب وموريتانيا، إلا أن وجهتها كانت حيث تقيم هاته الجماعات، وهو ما يمكن اعتباره جزء من تمويلها، القادم من مناطق «طالبان» بأفغانستان، حسب اعتقاد باحث إسباني في هذا المجال، نقلته الصحافة الإسبانية. الكمية التي تم حجزها، وأفاضت هذا الكأس، انطلقت جوا ووصلت لمطار مدريد باراخاس، حيث تم تسهيل عبورها من جمارك كابول، بعد المرور عبر «السكانير» الذي أشار لوجود شيء ما في أحشاء حقيبة كبيرة. وبعد تفتيشها بدقة بمطار باراخاس، تبين أنها تحتوي على مادة بيضاء، أثبتت التحليلات أنها مخدر قوي. كل ذلك دون أن يلفت انتباه أصحابها، الذين مكنوا منها كباقي المسافرين في آخر الرحلة، وذلك بعد إيصال المحققين لحيث يريدون، ولحيث توجد الخلية الأساسية لعمل هاته الشبكة، والتي أثبت وجودها بمنطقة ألميرية، المعروفة بجالية مغربية مهمة، وجاليات إفريقية مختلفة. وهو ما لا يستبعد معه استغلال مهاجرين، في تهريب هاته المخدرات، في ذهابهم وإيابهم لبلدانهم. التنسيق الأمني بين الدول الثلاث، جعل التحقيق في الموضوع يأخذ ابعادا اخرى، بل يعرف اهتماما كبيرا أيضا، إذ أن ما نشره الإعلام الإسباني بهذا الخصوص، جعل المغرب بدوره يدخل على الخط، ولو من باب الملاحظ والمتتبع، خاصة وأن تفاصيل التحقيقات لم تظهر بعد، وإن كان ما يقال في الصحافة الإسبانية، نقلا عن مصادر أمنية مسؤولة، يؤكد امتداد هاته الشبكة في اتجاه المغرب، بل أن المغرب ممرا ومعبرا لبضاعتها تلك، التي لا تروج بكاملها به، بل توجه لجهات مجاورة، فيما تجري المصالح الفيدرالية الأمريكية بالخصوص، تحرياتها بشأن إمكانية وجود علاقة بين الجماعات الأصولية وتجارة الهيروين القادم من العاصمة كابول.