نصابون ينتحلون صفات رجال أمن ويستعينون بوسائلهم للنصب على الضحايا ضحايا عديدون بمراكش تقدموا بشكايات إلى المصالح الأمنية تؤكد تعرضهم للنصب على يد شخص دأب على تقمص دور رجل أمن نافذ، يؤكد بأنه يعمل في سلك الشرطة بالعاصمة الإدارية الرباط، والذي كان يتحرك على متن سيارة فخمة، ولا يفارق «السيكار» شفتيه، لإضفاء طابع الأبهة على شخصيته، زيادة في إيهام ضحاياه بمكانته الاجتماعية، ووظيفته الأمنية لكن بعد اعتقاله تبين أنه نصاب عاطل عن العمل. وفي الدارالبيضاء توقفت مسيرة يقوم بها «رجال الشرطة» مزيفون عبر المملكة يستهدفون في عملياتهم بعد التزود بأصفاد وأجهزة لاسلكي اقتنوها من الشمال، وسيارات مكتراة من وكالات خاصة للسيارات مؤثثة بأعداد من مجلة "الشرطة" في واجهاتها، ويستهدفون المشعوذين والشوافات لابتزازهم والحصول علىإتاوات، والتهديد بتقديمهم إلى العدالة. «اللي بلاه الله بالنصب، ينتحل صفة بوليسي»، هي حقيقة مثيرة، كشفت عنها مجموعة من عمليات النصب والاحتيال ببهجة الجنوب، تقمص أبطالها صفة عناصر أمنية، لبعث الطمأنينة في قلوب ضحاياهم، ودفعهم للوثوق بهم وتسليمهم أموالهم، تحت ذريعة قضاء بعض المآرب التي عادة ما يحتار في قضائها بسطاء القوم، وتحتاج إلى تدخل «ضرسة صحيحة» تملك مفاتيح ما أشكل من احتياجات وأغراض. ثلاث قضايا في ظرف وجيز، تمكنت العناصر الأمنية بمراكش من «حد باسها»، ووضع حد لمغامراتها في النصب على المواطنين، تحت يافطة انتمائهم لأسرة «الشرقي اضريص»، وقدرتهم على التدخل لحل أصعب المشاكل، بما تكفله لهم وظيفتهم من سطوة وسلطة. فقد انتهت التحقيقات التي سهرت على إنجازها مصالح الشرطة القضائية، إلى اعتقال رجل أمن مزيف، تمكن من النصب على العديد من المواطنين، تجاوز عددهم عتبة ال 24 ضحية، تسلم من كل منهم مبالغ تراوحت ما بين 20 و30 ألف درهم، بعد أن أوهمهم بقدرته على توظيفهم بسلك الشرطة. وكان الرجل يوزع الرتب حسب رغبات الزبائن، اعتمادا على منطق «ماشي قد الجلابة قد القب»، وبالتالي فلكل رتبة ثمنها، و«الغاوي ينقط بطاقيته» على رأي الأشقاء بأرض الكنانة، ومن ثمة حدد مبلغ 70 ألف درهم لرتبة عميد، وما بين 20 و30 ألف درهم لما دونها من الرتب، علما بأن مغامرة الرجل قد انطلقت منذ سنة 2007، حيث كان يحرص على تغيير أرقام هاتفه النقال، تماما كما كانت يغير أماكن تواجده بالمقاهي المبتوتة على طول المنطقة السياحية بالمدينة، ما صعب من مأمورية تحديد هويته رغم تواتر شكايات الضحايا، إلى أن تم تحديد أوصافه وهويته، بعد أن بينت التحريات أن اسمه الحقيقي (حكيم. س) مزداد سنة 1975 بمراكش، لتنطلق فصول مطاردة وتربص، انتهت باعتقاله وإيداعه سجن بولمهارز إلى جانب عنصر أمني آخر مزيف، نهج طريقة أخرى في الإيقاع بضحاياه، عبر توهيمهم بقدرته على تهجيرهم صوب الديار السويسرية للعمل في معمل «الشوكولاطة» ومعمل «الورود» الذي يمتلكه رب عمل زوجته المزعومة. وكان 16 ضحية ينحدرون في مجملهم من بعض الدواوير الهامشية (عين الفاسي، عين الشرقي، ودوار الفدان العريان)، قد تقدموا بشكايات إلى المصالح الأمنية تؤكد تعرضهم للنصب على يد شخص دأب على تقمص دور رجل الأمن النافذ، حيث كان يؤكد بأنه يعمل في سلك الشرطة بالعاصمة الإدارية الرباط، والذي كان يتحرك على متن سيارة فخمة، ولا يفارق «السيكار» شفتاه، لإضفاء طابع «الأبهة» على شخصيته، زيادة في إيهام ضحاياه بمكانته الاجتماعية، ووظيفته الأمنية. وكان المتهم يتحرك رفقة شريكة له، يقدمها لضحاياه على أساس أنها زوجته، وتتوفر على عدة مناصب شغل بالديار السويسرية، تارة لدى مشغلها صاحب الرياض حيث تعمل بمراكش، وتارة أخرى لدى شقيقتها التي تتوفر على شركة لصنع «الشوكولاطة» أو مصنع «للعطور». وكان المتهم رفقة خليلته يتسلمان مبالغ مالية تتراوح ما بين 25 ألف درهم و17 ألف درهم، حسب الوضعية المالية للضحية، والذي غالبا ما ينحدر من دواوير هامشية، ويبحث عن فرصة تمكنه من الرقي اجتماعيا، وخوض مغامرة الهجرة إلى الفردوس الأوروبي. وبعد اعتقال المتهم وخليلته، تبين أنه من مواليد سنة 1972 بمدينة مراكش، متزوج وعاطل عن العمل، وأن السيارة الفخمة من نوع «فورد فيستا» قد تم كراؤها من إحدى وكالات كراء السيارات بالمدينة بواسطة عقد إيجار تمتد صلاحيته إلى متم غشت المقبل، فيما اعترفت المتهمة أنها قد تعرفت على المتهم الذي وعدها بالزواج، بعد أن أخبرها بأنه مفتش شرطة يعمل ضمن الفرقة السياحية بولاية أمن مراكش، وأنها قد وقعت ضحيته هي الأولى بعد أن أوهمها بأنه سيستقيل من وظيفته، وينتقل إلى سويسرا للعمل لدى أخته التي تمتلك شركة للورود والعطور، مع مطالبتها بجلب بعض الراغبين في الهجرة. وفي قضية أخرى قادت الصدفة رجال الأمن إلى اعتقال ضابط أمني مزيف، كان يرتدي الزي الرسمي بأحد الشوارع الرئيسية بالمدينة، حيث ضبطت بحوزته بعض الأصفاد الخاصة بلعب الأطفال، وكذا مجموعة من بطائق التعريف الوطنية الخاصة بعدد من المواطنين، ليتم توقيفه واقتياده صوب مقر الدائرة السابعة، للتحقيق معه حول ظروف وملابسات، ارتدائه لهذا الزي الرسمي، حيث تبين أنه طالب في ال 29 من عمره، يتابع دراسته بإحدى المدارس الخصوصية، ويقطن بحي المسيرة الثانية بمنطقة دوار العسكر. كما أكدت التحريات، أن المتهم قد دأب منذ مدة على ارتداء الزي الذي صنعه لدى خياط عصري، وكان يقدم نفسه على أساس أنه ضابط أمني، يمكنه المساعدة في قضاء بعض المآرب المستعصية، والتدخل لدى الجهات الأمنية بالمدينة لتحصيل بعض الخدمات، كالمساعدة مثلا في استخراج جواز السفر، أو التخفيف على متورط في قضية جنحية، أو حتى التدخل لدى بعض المسؤولين، لإنجاز بعض الخدمات الخارجة عن المساطر واللوائح القانونية، وطبعا لكل شيء مقابل معلوم مع الدعوة ب «رحمة الوالدين». ليبقى السؤال المطروح هو، السبب الحقيقي الذي يدفع ببعض محترفي النصب إلى تقمص دور رجال الأمن، لاستغلال ضحاياهم، وعن السر الكامن حول اختيار هذه المهنة بالذات دونا عن غيرها من بقية المهن والوظائف. «رجال شرطة» يطوفون البلاد طولا وعرضا مستهدفين أوگار الدجل والشعوذة «الله أودي حاميها حراميها، المهم جمع راسك وكون على بال، العافية راه قربات ليك. البارح المخزن راه كان في خريبكة واليوم ربما يكونوا في واد زم». لم ينه بوشعيب الكلام عبر هاتفه النقال مع صديقه في «الحرفة» الجيلالي، حتى سمع دقات عنيفة على الباب. تسمر بوشعيب في مكانه. لوى عنقه، واشرأب به إلى فناء البيت المملوء عن آخره، بنساء ورجال ينتظرون دورهم ليقرأ لهم الكف. لم يخرج الفقيه من تيهه، إلا وأصوات خشنة تتوعده بما لايحمد عقباه. كلمات: «فتح المخزن معاك» المتكررة، بللت سرواله. ومن شدة الخوف والارتباك لم يجد بدا من الانصياع. خمسة رجال طوال غلاظ، ما إن فتح الفقيه باب بيته، حتى فاجأه رئيسهم بصفعة أفقدته توازنه، فيما حاصره الثلاثة الآخرون ملوحين بالأصفاد وأجهزة اللاسيلكي. وهو مشلول من الحركة، باغته الخامس: «تبارك الله، تبارك الله، هذا تجمع سياسي عندك هنا».. «لا نعم أس» أجاب الفقيه متلعثما. «إوا هاذ الرجالة والعيالات، تيعني جاو عندك للفساد». «أعود بالله أشاف، أنا راه فقيه وهاذ الناس جاو باش نسبب ليهم شي بركة»، «يعني مشعوذ وصافي». «لم يخرج الفقيه من دوامة الاستنطاق إلا بعد أن دس يده في جيبه وأخرج «شي بركة» التي ما إن رآها رجل الشرطة حتى ثار في وجهه: «هاذ شي اللي سوينا عندك الفقيه» فهم ما يعنيه الشاف وأخرج بوشعيب رزمة من الأوراق النقدية، كانت كفيلة بإخراجه من ورطته. غادر البوليس شقة الفقيه في واد زم وتركوه وراءهم غاضبا شاتما، وهو على أسوإ حال، فيما هم منتشون يضربون كفا بكف وهم يتحسسون رزمة النقود. أداروا محرك السيارة، وكانت الوجهة هذه المرة مدينة الفقيه بن صالح. كانت هذه عاشر عملية يقوم بها «رجال الشرطة» المزيفون. تلتها عمليات أخرى وصلت إلى حدود أول أمس الأربعاء، تاريخ تقديم إثنين منهم إلى الوكيل العام للملك بإستئنافية البيضاء من قبل الفرقة الأولى للشرطة القضائية لأمن أنفا، إلى 13 عملية في جولة عبر مدن المملكة من البيضاء إلى واد زم مرورا ببرشيد، الرباط، بني ملال، بن أحمد، سطات، خريبكة، قصبة تادلة والقصيبة... يستهدفون في عملياتهم بعد التزود بأصفاد وأجهزة اتصال لاسيلكي اقتنوها من الشمال، وسيارات مكتراة من وكالات خاصة للسيارات مؤثثة بأعداد من مجلة الشرطة في واجهاتها، يستهدفون بيوت المشعوذين و"الشوافات" يقومون بابتزازهم للحصول على إتاوات، مهددين بتقديمهم إلى العدالة تحت وابل من الضغظ النفسي والجسدي أحيانا. ضابط الشرطة، وهو يلملم أوراقه لإسدال الستار على الفصل الأول من عمليات العصابة التي روعت العشرات من المشعوذين والدجالين في مجموعة من المدن، دخل في ضحك مدو وهو يسمع من متزعم العصابة أن مجموعته بدل تقديمها إلى العدالة يجب شكرها لأنها لا تسرق إلا المشعوذين الذين يمتصون دماء الضحايا من الأبرياء لا تقاطعه إلا كلمات المتهم الثاني وهو يخاطب زميله: «راني قلت ليك كول وقيس قبل ما تغيس وبلافلسفة»، وليجيبه الآخر «أودي راه غيسناها شحال هاذي».