منذ قرن وربع، اعتاد الهولنديون على ألا يتوارث عرشهم ملوك رجال وآخر رجل كان ملكا على هولندا مات في سنة 1890، لكن الملكة بياتريس تمكنت من إعادة الملك إلى الرجال لأنها يوم اعتلت العرش سنة 1980 كانت أما للأمير وليام ألكسندر الذي كان عمره آنذاك 15 سنة. لكن الأمير سيكون أبا لثلاث بنات أصبحت أكبرهن سنا الآن ولية للعهد، حيث سيعود الملك في هولاندا بعد رحيل الملك الجديد. الملكة بياتريس اختارت أن تتنازل عن العرش طواعية لفائدة ابنها وليام ألكسندر، وجرت مراسيم انتقال العرش من الملكة إلى ابنها الملك الجديد يوم الثلاثاء في حفل كبير وبهيج. الملكة سلمت العرش لابنها وليام ألكسندر البالغ الآن 48 سنة، وأصبحت مجرد أميرة أو ملكة متقاعدة وأما للملك الجديد. في بلدان أخرى، لا يتنازل الملوك عن عروشهم ، بل تتم الإطاحة بهم بعد انقلابات عسكرية أو مؤامرات مدبرة في كواليس القصر. أما بالنسبة لهولاندا فقد تتبع العالم مباشرة مراسيم انتقال الملك من الملكة إلى الملك في أجواء البهجة والحماس الشعبي. وفي غمرة هذه الاحتفالات البهيجة، قال ملك هولندا الجديد إنه يتعهد بضمان حرية وحقوق المواطنين الهولنديين وكل الرعايا المقيمين في هولاندا. من يشاهد الجماهير الغفيرة التي حضرت مراسيم اعتلاء الملك الذي تسلم العرش من والدته، سيدرك مدى شعبية نظام الملكية الدستورية في الأراضي المنخفضة الملك في هولندا يملك ولا يحكم، والحكومة هي التي تدبر الشأن العام والملك يكتفي بتتبع مجريات الأحداث، وكل ما يجري في الحياة السياسية، والدستور يجعل الملك أو الملكة خاضعا للمراقبة البرلمانية المستمرة. تجري الانتخابات في هولندا بصورة منتظمة وتتناوب على الحكم أحزاب اليمين وأحزاب اليسار، ولا دخل للملك في التحولات التي تجعل المشهد السياسي يتغير لأن إدارة الدولة تتحكم فيها إرادة الشعب ويبقى الملك، وفي جميع الأحوال وطبقا لأحكام الدستور، هو الساهر على استمرار التوازنات السياسية الضامنة للاستمرار والاستقرار. هذه هي هولندا التي تعيش فيها جالية مغربية تلعب دورا في الحياة الاقتصادية والسياسية، وهناك مواطن هولندي يتحدر من المغرب هو الذي يحتل الآن منصب عمدة روتردام التي تحتضن أكبر ميناء عالمي في أوربا، علاوة على مهاجرين مغاربة يتولون مقاعد برلمانية ومناصب حكومية. طبعا، تواجه الجالية المغربية في هولندا كغيرها من الجاليات، مشاكل عديدة ، كما هو الحال في كل بلدان المهجر، لأن المجتمع الهولندي تخترقه تيارات وأفكار متطرفة نظرا لمكانة اليمين المتشدد الذي يكن العداء للأجانب وللإسلام باعتباره دينا يعتنقه أفراد الجاليات القادمة إلى هولندا من البلدان العربية والإسلامية. وبالنظر لدورها الضامن للتوازنات بين الطوائف المتساكنة في هولندا، فقد تصدت الملكة بياتريس للحملات المعادية للإسلام في عدة مناسبات. أمر عجيب ألا تقبل ملكة الجلوس مدى الحياة على العرش، في زمن يفضل فيه رؤساء جمهوريات البقاء على كراسيهم طوال ما تبقى من أعمارهم، إما بقوة السلاح أو النار أو عن طريق انتخابات تعرف نتائجها قبل إجرائها. أما بياتريس ملكة هولندا، فقد قررت أن تترك العرش لفلذة كبدها حتى تظل تنظر إليه وتتبع كيف يمارس مهامه كملك وهي على قيد الحياة.