حوالي 100 ألف مغربي يعانون في صمت، يتبحرون في عالم داء، إلى حدود اليوم، لم يتوصل الأخصائيون إلى علاجه أو حتى اكتشفوا أسبابه ولا طرق الوقاية منه. الزهايمر الذي يطمس كل ما خزنته ذاكرة الإنسان على مر سنين عمره، صار يهدد حياة حتى الشباب الذين لم تتجاوز أعمارهم 35 سنة، ويتحكم في زمام الأمور، فارضا قوته في الكثير من الأوقات، وفي أخرى ينام على حضن ضحاياه حتى يأخذ "مول الأمانة أمنتو". نظرات حائرة. أعين ملأتها أسئلة كثيرة تقفز باحثة عن أجوبة. عرق يتصبب من جبينها يكشف مدى توترها ودهشتها وخوفها من الذين حولها. امرأة في السبعينات من عمرها، تائهة في شوارع البيضاء، تبحث عن شيء ما لا تعرف ما هو. تريد سؤال المارة عن عائلتها ومنزلها بعد أن خانتها ذاكرتها ونست عنوانه، إلا أنها فضلت الصمت، واستمرت في رحلة البحث. عيناها تلاحق كل من اقترب منها، محاولة التذكر إن كانت تعرفه أو صادفته يوما ما، لكن محاولاتها تفشل في كل مرة، وتعود لتبحث عن الشيء الذي لا تعرفه. إنها دوامة كبيرة يدخلها كل من دق بابه الزهايمر، ذلك المرض الذي زار بيوت الأغنياء والفقراء والملوك والرؤساء وأسماء برزت في عالم الفن والرياضة… إنه المرض الذي يهدد كل واحد منا. عائلات المرضى تتخبط في معاناة يومية "لم نكن نعلم بهذا المرض، إلى أن اكتشفنا تفاصيله بعد أن أصيبت جدتي به"، معاناة عائلات مرضى الزهايمر ، تحاول تفسيرها سليمة، مؤكدة أن تغيرات كثيرة عرفتها العائلة بعد دخول هذا الداء إليها. تقول إن جدتها كانت كلها حكمة و"رزانة" فأصبحت امرأة أخرى، تعجز عن التحكم في حركاتها وحديثها وحتى سلوكها "امرأة ذاقت مرارة الحياة، وتجملت بالصبر من أجل الحفاظ على أطفالها، ووقفت في مواجهة كل المشاكل، من أجل جمع شمل عائلتها". لكن، حسب تعبير سليمة، الأيام كانت تخبئ لجدتها الكثير، إذ كانت تحمل مفاجآت غير سارة، فأظهرت أنيابها في لحظة غير متوقعة، وبالتالي تغيرت حياتها رأسا على عقب "ماضي جدتي مليء بالأحداث المثيرة كانت تفتخر بسرده لنا، اختفى ذلك شيئا فشيئا، وصارت تفاصيل قصتها مع بعلها وكيف تحملت زواجه عليها أكثر من مرة من أجل أطفالها، في خبر كان". تقول سليمة إن ما كانت تحتفظ به من ذكريات، ذهب مع الرياح الخريفية، إلى درجة أنها أصبحت تجهل عنوان منزلها واسمها، وحتى شكلها. 13 سنة من حياة جدة سليمة كان فيها مرض "الزهايمر" الآمر والناهي. تحكم في كل تفاصيل حياتها، وحتى في حياة عائلتها، عاشت كل مراحله، إلى أن غادرت الحياة وهي على سرير تنتظر من يطعمها ويغير ملابسها، ويمسح دمعتها… مرض الزهايمر يتعب مرضاه الذي يجدون أنفسهم لا يتذكرون أسماءهم ولا عنوان منازلهم ولا حتى شكلهم عندما ينظرون إلى أنفسهم في المرآة، وفي الوقت ذاته يتعب عائلة المرضى، إذ تتحمل وتسهر على رعاية المريض، سيما أنه لا يقوى حتى على الأكل أو قضاء حاجاته، كما أنه خلال مراحل المرض المتقدمة، يعجز عن مضغ الطعام وشرب الماء. إنها معاناة تتخبط فيها العائلة، ليل نهار، مضطرة إلى تحمل عصبية مرضاهم واتهاماتهم، في الوقت الذي يتخيل لهم أنهم أشخاص جاؤوا ليؤذونه ويخطفون أطفالهم من بين أحضانهم وأنهم خونة ويحرصون على أذيتهم. معاناة العائلات المرضى تصب في اتجاه واحد، رغم أنها تختلف في بعض التفاصيل الصغيرة، فحسب تعبير وحيد، فوالده الذين كان قدوة جل أفراد العائلة، تحول إلى دمية فعل فيها الزهايمر ما شاء، " قبل 4 سنوات كان والدي في كامل لياقته كله حيوية ونشاط.. صدمت كثيرا عند اكتشاف مرضه. لم يعد له القدرة للتعرف علينا أو على أحفاده". ويضيف وحيد بتأثر "صار يتخيل أن والديه مازالا على قيد الحياة، فقد القدرة على التواصل مع الناس ونسي أسماء الكثيرين وينادي بعضهم بأسماء ليست لهم". وزاد قائلا"نحمد الله أننا كنا نعلم بالمرض، لأننا سبق أن عشنا محنة خالتنا ودقنا المعاناة نفسها، إذ أصيبت بالمرض نفسه وأصبحت كثيرة النسيان، فتنسى حتى إن أكل أم لم يأكل". قريبك يعاني الزهايمر… إليك النصائح التالية وضع الأخصائيون بعض الإرشادات لمحاولة مساعدة الأشخاص الذين يعتنون بأحد أفراد العائلة مصاب بمرض الزهايمر، من بينها أنه عندما تتكلم مع المريض يجب أن تتكلم بهدوء وبصوت واضح مستخدم كلمات بسيطة وجملا قصيرة، وأن تحاول أن يكون للمريض روتينا يوميا مستمرا يبدأ من الصباح وينتهي بالمساء ولا يتفاوت من يوم ليوم مما يساعد في تهدئة المريض. وأوضح الأخصائيون أن الشخص الذي يعتني بالمريض، من الضروري أن يعتني بنفسه، وأن ينال كفايته من الراحة والنوم حتى يقوم بوظيفته بشكل جيد، كما شدد على ضرورة أن يشاركه الآخرون في رعاية المريض من أفراد العائلة من الأصدقاء ومن الجيران "فلا تفرض الوحدة على نفسك بسبب هذا المريض". من بين النصائح أيضا "من المهم عند تشخيص المرض من قبل الطبيب أن تجتمع العائلة وتقرر وضع المريض من الناحية الشرعية ومن ناحية أموره المالية وهل يوجد له وصية أو قد يحتاج أن يوصي على بعض الأشياء قبل أن تزداد حالته سوء، وإن رعاية المريض خاصة في المراحل المتقدمة عندما يصبح هناك إعاقات بدنية وعاطفية وتغيرات في شخصيته، هي من الأمور الشاقة والمتعبة على أي شخص حتى لو كان بصحة جيدة. وأشار الأخصائيون ذاتهم إلى أنه مهما كان هذا الشخص بعد مرور الوقت سوف يحس بالإرهاق والتعب والملل "لذلك هناك نقاط نحب أن نبينها وتساعد في رعاية المريض من ضمنها، تنظيم الوقت بحيث يكون هناك وقت لراحتك ووقت لرعاية المريض، يجب أن تهتم بنفسك ويكون لك هوايات تمارسها أو أن تخرج خارج المنزل، يجب أن تستريح عندما يستريح المريض وتنام عندما ينام من أجل أن تتنشط في ساعات العمل الأخرى، يجب أن تتعود وأن تتقبل التشخيص وأن تعرف أن هذا المرض يتطور من سنة إلى أخرى". شبح الزهايمر يلاحق الشيوخ على سرير خاص بالأشخاص الذين لا يقوون على الحركة، ممددة. وجهها الشاحب يكشف مرضها وآلامها. صامتة لا أمل في أن تقول كلمة واحدة ولا حتى تحكي ما تحس به ويلم بها. هكذا عاشت الحاجة يامنة آخر أيام حياتها قبل أن تغادرها تاركة أولادها وأحفادها يتذكرون ماضيها ويستحضرون حكمتها ورزانتها وقوتها. فارقت الحياة بعد أن عاشت سنوات تصارع الزهايمر، وخلال تلك السنوات كانت عائلتها تعاني معها. "مرض الزهايمر يتجاوز الإطار الصحي ليشكل ظاهرة اجتماعية لا تطول المريض فقط، بل تؤثر على الأشخاص الذين يعتنون به"، هذا ما صرح به مصطفى الودغيري، اختصاصي في الطب الباطني وطب الشيخوخة، ورئيس جمعية علم الشيخوخة أمل، معتبرا أن "نقطا كثيرة تتعلق بالمرض يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من بينها معاناة عائلات المرضى. ليس بالأمر الهين أن تظل طول اليوم في خدمة مريض بالزهايمر… إذ يتطلب الأمر الكثير من الصبر، سيما إذا كان المرض في مراحله المتوسطة حيث تصير الكوابيس والأوهام تسيطر على المريض ويتصور له أشياء بعيدة عن الواقع، ثم مراحله المتطورة، حيث يصبح المريض عاجزا عن الحركة. من أجل ذلك، وضعت جمعية أمل بين أهدافها تحسيس عائلات المرضى وتدربيهم على الأمر، حتى لا يتفاجؤوا بما يخبئه لهم المستقبل. وداومت الجمعية على تنظيم ورشات تدريبية للعائلات كان آخرها السبت الماضي، من أجل توعية العائلات بمراحل المرض وكيف يمكن أن يتعامل مع كل مرحلة. ما يمكن أن تعيشه عائلات مرضى الزهايمر، يجعل الأصوات المطالبة بالاهتمام أكثر بمرض الزهايمر تتعالى في كل مناسبة، إذ بحت حناجرها، إضافة إلى الجمعيات المهتمة بالأمر، من أجل أن تتدارك وزارة الوردي الموقف من المرض وتنهض من سباتها وتضع برامج تهم المرضى وذويهم، لكن لا حياة لمن تنادي، حسب تعبيرهما. يطالب الطرفان (العائلات والجمعيات) بوضع مراكز لخدمة المرضى وعائلاتهم، سيما أن المغرب يتوفر، فقط، على قسم واحد للأعصاب يهتم بمرضى الزهايمر يوجد بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا في الرباط، يضم عدة أطباء في تخصصات ضرورية لتشخيص وعلاج مرض الزهايمر، وضمنهم طبيبان في الأعصاب وطبيبة مختصة في السيكولوجيا العصبية ومساعدان في ميدان الترويض، فضلا عن اختصاصيين اثنين في علم النفس السريري. ويعتبر المهتمون أن المركز الذي بدأ في استقبال المرضى قبل سنة 2000، غير كاف لاستقبال جل المرضى، سيما أنهم في تزايد مستمر، وأنه يستقبلهم يوما واحدا في الأسبوع، باعتبار أنه يعالج حالات أخرى من الأمراض العصبية، وأنه يواجه خصاصا كبيرا في الأطر الطبية المتخصصة، إذ يصل عدد الأطباء المتخصصين في الأعصاب في المغرب إلى 100 طبيب، في حين يبلغ العدد 1500 في فرنسا و3000 في إسبانيا، علما أن الأمر مرتبط بأمراض لها علاقة بالارتفاع التدريجي لنسبة الشيخوخة في الهرم السكاني للمغرب. وفي سياق متصل، اعتبر الدكتور مصطفى الودغيري ، أنه مع التقدم في السن، يكون المسن أكثر عرضة للأمراض خاصة منها المزمنة، مؤكدا أن مرض الخرف أو الزهايمر، ينتشر، بدوره بشكل كبير عند المسنين، إذ يقارب عدد المصابين به في المغرب ما بين 100 و 150 ألف مريض. وأوضح انه ابتداء من 65 سنة، 5 في المائة من الأشخاص يمكن أن يصابوا بهذا المرض، وتنتقل هذه النسبة إلى 10 في المائة ابتداء من 75 سنة، ثم ترتفع إلى 20 في المائة ابتداء من 85 سنة، "الأمر الذي يبرز الحاجة إلى وجود وحدات طبية متخصصة، إذ لا توجد بالمغرب مؤسسات تقوم بالتكفل بمرضى الزهايمر حيث يستطيع أقارب المريض الاطمئنان على حالته الصحية". ويشدد الدكتور الودغيري، على ضرورة تكوين الاختصاصيين، معتبرا أن عددهم يظل غير كاف ولا يستجيب لحاجيات المرضى والأشخاص الذين يعتنون بهم. كما أن التكفل بالمرض يطرح إشكالية متعلقة بالكلفة المرتفعة للعلاج الذي تتحمل الأسر مصاريفه الكاملة، وذلك في غياب التغطية الصحية. وذكر المتحدث ذاته بالمتلقى الثاني المنظم أخيرا بمراكش تحت شعار "شباب اليوم٬ شيوخ الغد"، الذي تميز بمشاركة عدد من الأساتذة الباحثين وأطباء مختصين ومهتمين بالمجال، من إيطالياوفرنسا وموناكو وإسبانيا واليونان والمغرب. وتناول الملتقى الدولي، على مدى أربعة أيام، الجوانب المرتبطة بالشق الاجتماعي والعلمي لمرض الزهايمر، بغرض لفت أنظار المسؤولين والمختصين لخطورة هذا الداء، الذي أصبحت تعانيه فئة من المجتمع لا يستهان بها، والوقوف عند انعكاساته النفسية والاجتماعية والاقتصادية على أسر المرضى وعلى المجتمع، وفهم السياسات والإستراتيجيات المعتمدة لدى بعض الدول في مجال التكفل بمرضى الزهايمر، إلى جانب تبادل الخبرات واستلهام التجارب بين الباحثين والمختصين ومختلف المتدخلين. وعرضت أثناء اللقاء نفسه، المنظم من قبل جمعية أمل مغرب الزهايمر، بشراكة مع جمعية موناكو للأبحاث ضد مرض الزهايمر، بعض التجارب المتوسطية، وإشكاليات التكفل بالمرضى على المستوى المتوسطي، ووضع آليات جديدة، تروم إعداد وتبني وتفعيل إستراتيجية وطنية للتكفل بهم. أسباب المرض لا يعرف، إلى اليوم، سبب بعينه يمكن أن يؤدي إلى الزهايمر، ولكن نتيجة للأبحاث المستمرة منذ 15 عاما. أمكن التعرف على مجموعة من العوامل التي من الممكن أن تتشارك لتؤدي في النهاية إلى مرض الزهايمر. وما هو مؤكد لدى العلماء هو أنه بمجرد ظهور المرض يكون قد سبقته عملية موت وتحلل طويلة لخلايا المخ المنوط بها حفظ المعلومات واسترجاعها. السبب الأكثر دقة، حسب الموسوعات العلمية المختصصة، ما أكده العلماء من أنه بتقدم العمر تترسب بروتينات لها بنية تعرف ب "صفيحات بيتا المطوية " وهي التي تتراكم داخل الخلايا العصبية المركزية، ما يؤخر التيارات العصبية، أو يعطلها، أو يدمر المسارات نفسها. ومما لا شك فيه، أن تقدم السن هو أكثر العوامل المشجعة لظهور المرض، حيث إن غالبية المرضى يصابون به بعد سن الخامسة والستين. وتزداد فرصة المرض بنسبة الضعف كل خمس سنوات تلي هذا السن حتى تصل إلى أعلى نسبة 50 في المائة عند سن 85. ولوحظ أن فرصة ظهور المرض تصبح ضعفين، أو ثلاثة عند الأشخاص الذين أصيب أحد والديهم، أو أجدادهم، أو أجداد أجدادهم بهذا المرض مقارنة بالأشخاص الطبيعيين. كما تمكن العلماء، أخيرا، من التعرف على مورثة يعتقد أنها سبب المرض إلا أنه لم يمكن التعرف عليه في كل الحالات، وأن انتشار هذا الجيل لا يتخطى بضع مئات من العائلات حول العالم. ولهذا ما زال العلماء يعتقدون بقوة أن هذا المرض ناشئ من تفاعل معقد بين أسباب جينية وأخرى غير جينية. وهناك ثلاثة أنواع لمرض الزهايمر، الزهايمر المتأخر، وهو النوع الشائع. يبدأ المرض عادة بعد جيل ال65. الزهايمر المبكر، وهو الزهايمر الذي يبدأ بجيل مبكر، تحت جيل ال60. هؤلاء المرضى عادة يعانون أمراضا عصبية أخرى. الزهايمر العائلي، وهو موروث ونادر جدا. عادة يصاب الأشخاص بالمرض بجيل مبكر جدا حتى في عقدهم الرابع. ومن جهة أخرى، يعتبر أن من صعوبات التشخيص المبكر بالمغرب، أن اختبارات الذاكرة غير متوفرة باللغة العربية أو الدارجة، ما يعسر اقتراحها على الأشخاص الذين لا يعلمون الكتابة أو القراءة. ويعتبر التشخيص المبكر لداء الزهايمر وسيلة مهمة لتأخير بلوغ مرحلة الخرف، سيما أن العلم لم يتوصل بعد إلى أي علاج شاف بشكل نهائي، بينما تتوفر أدوية مبطئة لتطور أعراض المرض، تصل كلفتها إلى ألف درهم في الشهر، ما يشكل حملا ثقيلا لدى الأشخاص المسنين الذين لا يتوفرون على تغطية صحية.